الأحد، 23 سبتمبر 2012

قصة قصيرة / رجل المطر

لمطر يطرق النافذة تتراشق حباته جذلى ،تخلب الابصار ببريقها ،ماء يغسل الغبار وفي الزمن مابين اصطدامها بالنافذة ومسيلها نحو الاسفل تنتشي الروح بخمرة الشوق الى معرفة سر التكوين وياخذني الشوق بعيدا نحو دهاليز الذاكرة حيث تتقافز مع حبات المطر صور من الطفولة في جو ممطر ...احتضان ابي ورائحته المميزة ،قبلاته ،امي حينما تدثرني من رطوبة او برودة وهي توقد المدفأة لتستكمل دفئ الاحضان .

آه ...لقد سرقتني تلك الحبات من كتابي ،عشقي الذي اهيم به وبلقائه ،سر احتضار الواقع للولوج في احضان حلم ابدي يخترق الساعة والآن .ليلج عمق تأريخ قد يكون انتماؤه الى اجواء بغداد في اروقة قصور الخلافة العباسية او ربما ينتمي الى اجواء غرناطة حيث تحتضن الطبيعة شعراءها فتخلد اعبق ذكرياتهم وحيث يسود هناك اقوام ابوا الا السيادة
وربما باح لي الحلم باسرار العشاق وقد غفل الناس وسرى ساريهم بقصائد عشق مهموما برعية نجوم سمائه .وعبر النافذة يمرق البرق خاطفا بصري متلصصا على تلك الصور .

تمتد السنة النار في غوره مدى العشق وانا قرب المدفأة يمر برق خاطف .
قطرة اخرى تطرق نافذتي بي رغبة ان استمع الان الى نغم تلك المقطوعة وتنح عني انت ايها الصديق الودود قليلا ..ياكتابي الرائع فان الانوار تردد معزوفة شهية بوقع المطر وتستدعي معها كل الحواس .

هذا الليل عالم غائم بعتمته يوحد المتناقضات تحت مظلته وكأنه ام حنون توزع ثمار حنانها
مع خبزة صنعتها لتقسمها لقمة سائغة بين عديد افواه لابنائها لتنفرد بعدها بالصمت لائذة بسعادة شبع اولئك الابناء .
,
هاهو النوم يخدر الاعصاب مني فاستجيب ولما تزل السماء تبعث بهداياها الى الارض على رصيف مبلل، رايت احد الباعة يرزم كتبه خشية البلل ويركض مسرعا نحو متجره ليستودعها هناك،و هناك طلبة كثر يزدحمون مهرولين في صخب بعد خروجهم من المدرسة ،ومن بين زحامهم تنسل امراة راكضة تقود طفلتها الصغيرة متوردة الخدين .

وعلى البعد لمحته ذلك الرجل الرمادي وهو يتأبط كتبه ويرنو الى الشارع خلال نظارته الطبية سائرا بتوئدة ، تتراشق الصور التي يخطفها البرق ومعها تتراشق اسئلة تدور في تلك الجمجمة :
لماذا تعلق نظري بحضوره مرات عديدة ولماذا تراه يسيرا وئيدا ،ألا يرى ان الكثير من الناس يركضون هاربين من سطوة البلل والبرد ؟!

بل حتى بعض الحيوانات الاليفة راحت تلوذ بظلال الاشجار واكوام الخشب والنفايات الثقيلة وبعضها تدخل بيوتها ،هاهنا قطة ترتعش من قطرات المطر وتهز رأسها بانتظام يمينا ويسارا، فتتناثر منها تلك القطرات .وهي تحاول ان تجفف فروها بفمها ممررة لسانها لينزلق باستدارة رأسها من عنقها الى منتصف ظهرها ثم يعود بآلية منتظمة من الاعلى الى الاسفل ... فكأنها تستعد لحفلة عيد.

ثمة ديك يركض نحو قنه مجنونا ولعله يتفقد زوجاته الست ،كل يهرب ...من المطر
الاه ،ذلك الرجل ومازلت اتساءل :لِمَ يسير ببطء هكذا؟؟ كانت تتداعى لدي الكثير من صور افراح الاطفال وهم يتقافزون في ظل المطر وامهاتهم تزجرهم من اللعب تحت السماء العارية .

ودونما حذر من رقيب او انواء معربدة وجدتني امشي خلف تلك الخطوات المتثاقلة ،لقد سمعته يردد:اتعلمين اي حزن يبعث المطر
سائلته في قرارتي كانك غريب حقا العلك تستشف رؤى لقصة تؤلفها عند هذه الارض التي افترشها برق يلتقط صورا للارض المغسولة ببناته ؟!!!

ام لعله يستعيد صدى طفولته؟؟!! كانت ترنيمته تشق صممي الذي صخبت فيه الروح :
واقتنصت نغمة اخرى :بلا انتهاء كالحب ،كالاطفال ،كالموتى هو المطر ....

كنت خلفه الا اني كنت حقا ماخوذة بتلك الترنيمة فقد خلته لبرهة يحدثني فتصاعد الدم في راسي وتسارع مني النبض حديث يدور في غوري معه ...

- انك الان تفسر لي تلك الطلاسم التي طالما شغلتني ، وجدتني اطلق الكلمات وانا لا ادري ان كانت انطلاقتها من فمي ،هنيهة ووجدتني اسير الى جانبه ،التفت اليّ قائلا:
-كل الطلاسم في حياتنا لابد ان لها تفسيرا ويبقى طلسم وحيد لاتبوح بسره الحياة انه سرها .

وغيَّر مساره .آه كم وددت لو تابعت خطواته لكن انحراف مساره كان لحظة سرحان فكري لذا اضعته ،واضعت الطريق نحوه .

حينما عدت الى المنزل وجدتني مبللة تماما وشرعت بنزع ثيابي مشغولة البال به ذلك الرمادي وتلك الفرصة الضائعة في مماشاته حتى نهاية الطريق بل حتى الابد .
سرحت مرة ثانية فرايتني اسير الى جنبه اميرة متوجة تسير الى جانب مليكها
كنت اشعر انني لم ارتو من سعادة اللحظة على نحو ما .
انقلبت يمينا فانزاحت الوسادة عن راسي ودقات الساعة الست تطرق هامتي
نهضت مسرعة وباعتيادية فعلت كل مايجب لانتهي الى مغادرة المنزل نحو العمل .

في الطريق استعاد وعيي غيابه في طيات ذلك الحلم الرائع الذي لولا صرخات هوجاء للساعة لم اصح منه .صاحية هذه المرة اتوسل اقداري ان القاه
في مكان ما، في ساعة ما ،في وضع ما ،في ظرف المطر .....
نظرة نحو السماء حملتْ فرحة غامرة ،انها حبلى ماتزال..... عندها تذكرت نافذتي والكتاب وكم وجدتني بخيلة وانا ارفض مغادرة تلك النافذة ايام المطر
والرغبة الغامرة في لقائه التي زرعتها بتصبر البعد طقوس استقبال المطر .
لاجني ثمارها لقاءه ودونما موعد ....

الطريق تمتد امام بصري خالية تماما من الناس، والاضواء مازالت توشح المكان بالوانها الفياضة وتغمره بفيضها لتغطي تلك الظلمة للاجواء الغائمة ،كان يراودني شعور ملح اني سالقاه.
عتمة تغطي الافق بنذير مطر ،لاطير على غصن ولا احد يسير في الطريق اجنون خروجي ام ماذا؟
و عبر طريق مشجّر بالآس رحت اخطو خطواتي البطيئة لعلي ...
ماذا لو لم ؟.....توقفت اتامل منظر الشارع المغسول ....

قطرات من ندى داعبت اوراق الآس حملتها نسمات الهواء لترشها بوجهي فارتعدت مفاصلي ...مطر، رفعت راسي لا ..وعاجلا نقلتني تلك القطرات المدفوعة بالنسيم الى احضان ذلك الحلم ،لاتفسير لاغماضة العين على حلم في الواقع الا تلك الرغبة الغامرة في امتلاكه ...لذا اغمضتهما طويلا

اواه طالت غيبتي عن الترقب ،اسرعت لافتحهما ،فلمحته ..ذلك الرأس الرمادي يمر امامي متأبطا كتبه ......

لريح تسرع بغيمات حبلى ثمارا سأجنيها ، لتغتسل الآن الدنيا ،فهاهو القادم ينتشلني من سطوة الحلم ليزجني في اروع حلم .....

نبض يركض في الاوردة ، بالتفاتة ونصف اغماضة ، أما زلت واقفة تحت نوافذ الحزن
؟؟ تلتحم اليدان في حلم ..




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق